Fana: At a Speed of Life!

إثيوبيا ومجموعة “بريكس”: التداعيات والفرص

بقلم الدكتور ابراهيم سرور - أستاذ في الجامعة اللبنانية

هذا المقال هو عن انضمام إثيوبيا إلى مجموعة “بريكس” إذ يناقش الآثار والفرص في هذا الصدد. ويعرض المقال أيضًا الركائز الثلاث التي تقوم عليها المجموعة وهي السياسة والأمن، والمالية والاقتصاد، بالإضافة إلى الثقافة والتواصل بين الناس. ويعرض المقال العملية المطلوبة من إثيوبيا لكي تكون عضوًا في بريكس، ويسلط الضوء على أسباب انضمام إثيوبيا إلى المحموعة، ويشرح بالتفصيل الفرص والتداعيات في هذا الشأن.

مقدمة

“بريكس” هي شراكة بين البرازيل والاتحاد الروسي والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتتمتع بروابط قوية من الصداقة والتّضامن والمصالح المتبادلة. وتمثل مجموعة بريكس أكثر من 42% من سكان العالم، و30% من أراضي العالم، و23% من الناتج المحلي الإجمالي، و18% من التجارة الدّوليّة. عُقِد الاجتماع الأول لوزراء خارجية المجموعة، الذي تم إضفاء الطابع الرسمي عليه في العام 2006، أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة. انعقدت قمة بريكس الافتتاحية في يكاترينبورغ، روسيا، في العام 2009. وانضمت جنوب أفريقيا إلى البريكس العام 2010 وحضرت القمة الثالثة في سانيا، الصين في العام 2011.

 

مجموعة “بريكس” وأركان التّعاون الثلاث

1. السياسية والأمنية

تدعو بريكس إلى التّعددية الشّاملة لأن البنية العالميّة المعاد هيكلتها التي تعكس العالم المعاصر، وتعزز العدالة والتّوازن والتمثيل هي الرؤية المشتركة للبريكس وفي جوهرها إصلاح الأمم المتحدة. وقد حددت “بريكس”: رؤيتها لإصلاح النّظام الدّولي في بيانها المشترك لعام 2021 بشأن تعزيز النظام المتعدد الأطراف وإصلاحه، مشددة على الشّمولية والتمثيل. يجتمع قادتها ووزراء الخارجية ومستشارو الأمن القومي بانتظام لتنسيق موقها في هذه المجالات. وعليه، فإنّ تعاونها مبني على الاحترام المتبادل والمساواة في السيادة والشّمولية والتّوافق.

2. المال والاقتصاد

يتضمن محور التعاون المالي والاقتصادي اجتماعات وزراء التجارة، والصناعة والزراعة والطاقة. تدعم مجموعة الاتصال الخاصة بالقضايا الاقتصاديّة، والتّجارية الوزراء من خلال اقتراح أطر وتدابير مؤسساتيّة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتّجاري بين دول بريكس. و لذلك، فانّ استراتيجيّة الشّراكة الاقتصاديّة لهذه الدول تسعى إلى تمتين التّعاون الاقتصادي من خلال تعزيز التجارة والاستثمار وخلق بيئة أعمال ودية. تأسس بنك التنمية الجديد ومركزه الإقليمي في جوهانسبرغ العام 2015 لتقديم الدّعم المالي للأسواق الناشئة والدّول النّامية ولسد فجوات البنيّة التحتية مع تعزيز التنمية المستدامة، أضاف في العام 2021 البنك بنعلاديش ومصر والإمارات العربية المتحدة وأوروغواي كأعضاء جدد ما عزز مكانته كخيار تمويل رئيسي للأسواق الناشئة والدول النامية.

3. الثقافة والتواصل بين الناس

لقد أدى التّعاون بين دول بريكس في مجال التّعليم إلى تسهيل تبادل المعلومات وتحسين فهم الأنظمة التّعليميّة في الدول الأعضاء. فقد أنشأت جامعات البريكس شبكة التعاون التّعليمي لمجموعة البريكس في العام 2018. ويتجلى هذا التعاون من خلال التبادلات الفنيّة والسينمائيّة والثقافيّة وإنعاش قطاع السياحة والاستثمار والتّجارة بالإضافة الى تأمين المزيد من الفرص لرجال الأعمال والباحثين والطلاب.

 

سير عملية عضوية إثيوبيا في البريكس

بعد عقد العشرات من الاجتماعات ومؤتمرات القمة الناجحة في العقد الماضي، وزيادة الوضع الاقتصادي والقدرات التّجارية الرائدة لدول البريكس، زاد اهتمام إثيوبيا بالمشاركة في بريكس بلس. لقد شاركت أديس أبابا في اجتماعات وقمم مجموعة بريكس في عامي 2022 و2023، والتي استضافتها الصين وجنوب أفريقيا وقدمت طلبًا رسميًا للانضمام إلى بريكس في العام 2023.

وفي 24 أغسطس 2023، في الاجتماع الخامس عشر لبريكس في جنوب أفريقيا تحت عنوان “البريكس وأفريقيا: الشراكة من أجل النّمو المتسارع المتبادل والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة”، دُعيت دول إثيوبيا والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين وإيران والمملكة العربية السّعودية ومصر لتصبح أعضاء كاملي العضوية بدءًا من 1 يناير 2024.

 

لماذا انضمت إثيوبيا إلى بريكس؟

تقدر إثيوبيا بشدة القيادة القوية والتزام مجموعة بريكس ببناء شراكات مع أفريقيا في التجارة، والاستثمار وتطوير البنية التحتية. فإنّ بريكس توفر منصة حيوية لمصالح الدول النامية وأصواتها. وتؤيد إثيوبيا تطلعات بريكس إلى إنشاء نظام دولي أكثر شمولًا وتوازنًا. فإنّ إثيوبيا تقدّر التّعددية ولها تاريخ غني من المساهمات في السّلام والأمن العالميين. ولذلك فإنّ عضوية إثيوبيا في بريكس ستمكنها من تعزيز مساهماتها في التّعددية. بالإضافة الى ذلك، تشترك إثيوبيا في العلاقات التّاريخيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والشخصيّة مع دول بريكس. ومن شأن هذا الموقع الفريد أن يرفع مستوى الشراكات لمواصلة مسارات التنمية المشتركة القائمة على التضامن والصداقة والاحترام المتبادل. إنّ إثيوبيا هي ثاني أكبر دولة بعدد السكان وهي واحدة من أكبر الدول في أفريقيا وسادس أكبر اقتصاد فيها. ويُعد سكانها الذين غالبيتهم من الشّباب، مصدر قوة للتعاون من خلال تشجيع الابتكارات والاستهلاك. وتسجل إثيوبيا نموًّا اقتصاديًّا مرتفعًا في أفريقيا. وستساعد هذه العضوية في الحفاظ على معدل النّمو المرتفع هذا. إن إثيوبيا عضو في السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا).

إن علاقات أديس أبابا الجيدة مع أعضاء بريكس الرئيسين، وعدد كبير من سكانها، وتاريخها، ومعدل النّمو المرتفع، ونمو الناتج المحلي الإجمالي GDP، وآفاق التنمية المواتية كلها تجعل إثيوبيا لاعبًا تنمويًا مستقبليًا داخل المجموعة ومعززًا لمكانة بريكس في شمال شرق إفريقيا. وهذا له آثار إضافيّة على الشّرق الأوسط والتوسع المستقبلي للشبكة التّجارية في أفريقيا. وبما أن المملكة العربية السعوديّة والإمارات العربية المتحدة مدرجتان بالفعل في المجموعة، فهذا يعني تعزيز التنسيق بين القرن الأفريقي والشّرق الأوسط. وإثيوبيا هي أيضًا عضو في اتفاقيّة التجارة الحرة القارية الأفريقيّة (AfCFTA) التي تشمل الدول الأفريقية جميعها (باستثناء إريتريا). وتنص هذه الاتفاقية على إجراء تخفيضات تدريجية على جميع التجارة البينيّة الأفريقية بنسبة 95٪ من جميع المنتجات في مراحل مختلفة على مدى السنوات الـ 12 المقبلة. وهذا يلغي التّعريفات الجمركيّة على المصادر الأفريقيّة، وعندما يقترن بالتّصنيع في مناطق التجارة الحرّة الإثيوبيّة فإنّه يعزز بشكل كبير إمكانات إثيوبيا كاقتصاد قائم على التّصدير .ويبلغ عدد سكان (الكوميسا) حوالي 640 مليون نسمة، في حين يبلغ إجمالي GDP (تعادل القوة الشرائيّة) حوالى 918 مليار $. يختلف متوسط ​​نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (PPP) بين الأعضاء ولكنه يصل في المتوسط ​​إلى 5,173 $.

 

إثيوبيا ومجموعة بريكس: النتائج والفرص

وتقع إثيوبيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 120 مليون نسمة في منطقة غير ساحلية في القرن الأفريقيّ، وقد شهد اقتصادها نموًا قويًا على مدار 15 عامًا الماضيّة بمتوسط ​​حوالي 10٪ سنويًا وفي الوقت نفسه، كان اقتصادها واحدًا من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، وقد بلغ معدل نموGDP المتوقع لعام 2023 7.5٪، وهو GDP (تعادل القوة الشرائيّة) 290 مليار $، ويبلغ نصيب الفرد من GDP 2519 $. و قد تمكنت الحكومة من خفض معدل التّضخم ونسبة الدين إلى GPD. ستعدُّ إثيوبيا عضوًا رسميًا في مجموعة بريكس بدءًا من يناير 2024، وقد وصف رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ذلك أنّه “لحظة عظيمة” للبلاد. أمّا بالنسبة إلى أديس أبابا، تمثل العضوية في بريكس انتصارًا جيواقتصاديًّا وجيوسياسيًّا ودبلوماسيًّا كبيرًا. فمع وجود حوالي 26% من المساحة، وحوالي 42% من سكان العالم، تؤدي بريكس دورًا متزايدًا في الجغرافيا السياسية والتجارة العالمية. إنّ الواردات وزيادة الإنتاج والصادرات منذ نهاية كوفيد، والزيادة في الصادرات، التي شابها الصّراع الأوكراني الذي أدى إلى توقف إنتاج الشّعير والقمح الإثيوبي و انخفاض بنسبة 50٪ في الأرز المستورد، فإنّ عضوية البريكس تمكن إثيوبيا من التّعامل مع انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلاد. والواقع أنّ حكومتها حفزت إنتاج وتصدير القمح وغيره من الحبوب من خلال إدخال آليات زراعية حديثة. ومن الممكن أن يكون استخدام التكنولوجيات الزراعيّة المتقدمة والمعرفة من دول بريكس مفيدًا أيضًا في تحديث القطاع الزراعي في البلاد، بالإضافة الى الحبوب والأسمدة الرّوسيّة التي بدورها تساهم في المساعدة أيضًا. وقد شهدت إثيوبيا استمرار الخصخصة وزيادة الصادرات والتّحويلات المالية والاستثمار الأجنبي المباشر. ومع ذلك، لا تستطيع إثيوبيا وحدها تحقيق أهدافها الطموحة المتمثلة في بناء أكثر من 100 سدّ في مناطق مختلفة، وفي أن تصبح أكبر قوة كهربائية في أفريقيا، ما لم تتمكن من الاستفادة من دعم الجهات الفاعلة الرئيسة مثل بريكس.

وتحاول أديس أبابا أيضًا جذب المستثمرين الدّوليين والإقليميين إلى مشاريع الطاقة. ووفقًا لنهج بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس فإن مشاركة إثيوبيا في المستقبل ستؤدي إلى المساعدة الماليّة والفنيّة للبنك ومنح القروض الميسرة من دون الشروط الأكثر صرامة التي يفرضها صندوق النقد الدولي عادة. وبالنظر إلى الاحتياطيات الأجنبيّة المحدودة لإثيوبيا وتدفقات العملات الأجنبيّة، فمن المفترض أن تُعوّض ميزانية أهداف التنمية المستدامة من خلال الحصول على قروض أجنبيّة. ولذلك، فإنّ الوجود في دول بريكس يمكن أن يكون فرصةً لتطوير التّجارة مع الاقتصادات الناشئة، وتسريع النّمو الاقتصادي، وفتح أسواق جديدة، وتوقيع اتفاقيات تجارية جديدة، والاستثمار الأجنبي المباشر لأديس أبابا. ونظرًا لنموذج النّمو في إثيوبيا القائم على الاستثمار في البنية التّحتيّة، فإنّ الاستثمار العام من أعضاء مجموعة بريكس سيحفز النمو الاقتصادي في الحقبة 2027-2024. من خلال العضوية في المجموعة، ترغب إثيوبيا في زيادة التجارة مع العملات المحليّة مقابل الدولار الأمريكي، وتقليل التكاليف، وتطوير التجارة الإلكترونيّة. يمكن لدول البريكس المساهمة بشكل عملي في خطة التنمية الحكومية العشرية للإصلاحات الاقتصاديّة المحليّة ومساعدة إثيوبيا على إنشاء مسار نمو أكثر شمولًا واستدامة. ويمكن للآثار الإيجابيّة لعضوية بريكس أن تساعد إثيوبيا على الاستفادة من خبرة أعضاء بريكس في الإصلاحات الاقتصادية، وزيادة حجم الإنتاج، وتحفيز الصادرات الإثيوبيّة، وإحداث تغييرات في الاقتصاد الكلي، وتوفير الوصول إلى اقتصاد صحي تمامًا. وستكون مساعدة بريكس في تحقيق أهداف وآفاق التنمية في إثيوبيا، وتحسين وزيادة السياح من دول البريكس الرئيسة والجديدة، جزءًا من التأثيرات الايجابيةالأخرى للانضمام إلى المجموعة.

سيؤدي انضمام إثيوبيا رسميًا إلى مجموعة البريكس إلى زيادة مكانة القوة الاقتصادية للبلاد في القرن الأفريقي وتسريع تنفيذ أجندة التنمية الأفريقية لعام 2063 بالإضافة إلى أهداف اتفاقيّة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)إثيوبيا هي أرض الأصول ذات الحضارات القديمة والغنية. وامتدت دبلوماسيتها إلى ما بعد قرن من الزّمان. وكانت عضوًا في عصبة الأمم والعضو المؤسس لمنظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز ومجموعة الـ 77 والصين. إثيوبيا هي أيضًا عضو نشط في الاتحاد الأفريقي ومناصرة للعديد من مبادرات الاتحاد. وهو يجلب ثروة من الخبرات إلى دول البريكس. إن مجموعة البريكس تجعل إثيوبيا ذات أهمية جيواستراتيجية، ما يزيد من قوتها التفاوضيّة الدولية، والتعاون بين بلدان الجنوب والتّعددية وطموحها في أن تصبح لاعبًا رئيسًا. كما سيساعد في إعادة تشكيل اقتصاد أفريقيا. ولذلك، يمكن لعضوية البريكس أن تساعد في التغلب على القضايا الداخلية في إثيوبيا والحفاظ على استقرار سياسي مفيد. سوق يضم 120 مليون شخص وإمكانات هائلة غير مستغلة، وما يقرب من 50٪ من السكان تحت سن 18 عامًا يمثلون فرصة لوجود دول البريكس الأخرى مع التركيز على العمالة الإثيوبيّة الفعالة في التكلفة وإمكانات التصنيع التّصديرية بوصف أنّ اقتصاداتها ترتقي في سلسلة القيمة وتصبح أكثر تكلفة. وتستمر العلاقة الطويلة الأمد بين الصين وإثيوبيا منذ أكثر من 50 عامًا، في حين تعد الشراكة الشاملة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين أساسًا قويًا للنمو والتجارة. وتعدُّ الصين ولا تزال، أكبر شريك تجاري لإثيوبيا ومصدر للاستثمار فيها منذ سنين. وقد زادت الحصة النسبيّة للواردات من الصين وزادت قدرة الصين على إنتاج السلع الإثيوبيّة. وبصرف النّظر عن التعاون التجاري في منتدى الاستثمار، والتعاون الاقتصادي في شكل التعاون الصيني الأفريقي، فإنّ وجود الصين في الاستثمار في المناطق الصناعيّة الجديدة وخصخصة إثيوبيا هما أمران مهمان.

وبالمثل، هناك إمكانات واهتمامات هائلة مع بقية دول بريكس والتي أحدثت بالفعل تأثيرًا على مساعي التنمية في البلاد. ولا تعدُّ إثيوبيا منصة بريكس بديلًا للشراكات القائمة بل هي تكمل الشّراكات الثنائية والمتعددة الأطراف القائمة لإثيوبيا. وتعتقد إثيوبيا أن بريكس ستؤدي دورًا حاسمًا في تعزيز النظام العالمي، مع التركيز على الشّموليّة والتمثيل. و لذلك تظل إثيوبيا ملتزمة بالتعددية ودعم القانون الدّولي القائم على التّضامن والاحترام والعدالة والمساواة وتحرص على تأدية دور حيوي في الحفاظ على السلام، وتعزيز التنمية المستدامة وضمان الديمقراطية وحقوق الإنسان. فإثيوبيا دولة تزدهر بشكل منتظم. إن انضمامها سيعزز حظوظها للاستفادة من هذه الفرص، فهي تسجل واحدة من أعلى معدلات النّمو الاقتصادي في أفريقيا و ذلك لأنّ استثمارها الضخم في التواصل وموقعها الفريد في النقطة الثلاثيّة لأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا يجعلان منها مركز الاتصال في أفريقيا وهي أيضًا تتمتع بالقدرة والخبرة المؤسساتيّة والاستعداد للمساهمة في أهداف المجموعة.

 

 

 

المصدر: مجلة أوراق ثقافية

You might also like

Leave A Reply

Your email address will not be published.